قبل الرحيل
قصه حقيقيه
كتبها.فؤاد حسين علي
هكذا هي الدنيا....
بداية معروفه يصفق لها الحاضرون ....
يترقبونها بتمعن واشتياق....
يضعون لها أمال وتمنيات ....
ونهاية غير معروفه ....
يكرهها المعنيون عندما يحسون قدومها من عمر جاوز الوسط بسنين ووهن في القوه وعودة في التفكير الى ماض السنين ...
انها مؤلمه حقا وان شبهها الشعراء وألمتفائلون بأفول نجم يهوى من أعالي السماء احتراما أو ربما خوفا من السماء،لكنهاليست كالنجم، انها الوجه الآخر لحقيقة الفناء أو إذا ماتساهلنا في موضوعها فهي سير في طريق مجهول نسلكه جميعا رحالة وراحلون،لافرق بين الواحد والآخر في المرور بين محطاته إلا بالاتجاه ،لإنه متعدد ألمسارات ،منه رحيل إلى داخل النفس غربة مؤلمه مع الذات، جربتها في السنه ألإخيره بعد أن تركت العراق، وكأني أغوص في داخل نفسي متسللا بين خلايا عقلي الملئ بالآفكار والذكريات ، فتشت بين ثناياها المكبوت منها مثل واحد يفتش عن ابرة في كومة قش وسط الصحراء ،فلم أجد مايسرني ،فشعرت في رحيلي الذاتي هذا أني غريب عن نفسي السابقه .... أنا هنا.
لست أنا.الذي كان هناك،أفكاري هنا غير تلك التي خبرتها في بغداد،وكذلك آمالي وقناعاتي ونظرتي الى المستقبل ،نظرة بات السواد يغطيها من كل جانب في وحشة غربة قاسيه بعمر تجاوز الرابعه والستين ،أحسبه متقدم جدا بحسابات الشرق وبؤس السنين. ومنه ..... ارتحال الى مجهول هذا العالم في الهجره أواللجوءجربت ألمه مع كثير من العراقيين في سفرياتنا الطويله من العراق الى أوربا ،وجربت معهم لسعة الالتفات الى اليمين ونحو الشمال في كل محطه من محطاته الكثيره ،وكذلك معاودة النظر الى الخلف عند المشي بطريقة وكأن من يلاحقنا كلب مسعور،وحقيقة أمرنا محاولة يائسه لمداواة غربتنا وسط عالم جديد لانعرف نهاياته أو مداراة خوفنا من هذا العالم الذي لم يعد مألوف........ ومنه الرحيل النهائي إلى العالم الآخر جوار الرب الذي نعتقد نحن المسلمين أننا ذاهبون أليه بأنتظار الحساب ، وأي حساب لنا نحن العراقيين بعد أن دفعنا ما علينا من ذنوب مفترضه في دنيانا المليئه بالعقاب منذ مولدنا حتى اخر المحطات .
انه الرحيل المفعم بالغربه أو هو أصل الغربه رغم الايمان بحتمية وشريعة السماء،وغريب أمره أني بت أتحسسه يوميا وفي كل دقيقة تمر علي في شارع أمشيه بهذه المدينه السويديه-اوربرو-وفي الشقه التي أسكنها في أحد الاحياء ، وكأنني راحل في القريب حتى يأخذني التفكير احيانا الى تصور ذلك اليوم وكيف أقف مع غيري من أبناء البشر في صفوف،غرباء مشدوهين ننتظر القرار،ومع ذلك أفوق من غربتي أحيانا ، لآمني نفسي في القول لم يحن الوقت لهذا المشهد الغريب .
هكذا هي الدنيا أناس يأتون واخرين يرحلون ،وهكذا هي قوانينها الماديه والروحانيه أزمنه تأتي واخرى ترتحل ،وفي الرحيل بأي اتجاه تكون .النتيجه هي فراق للاحبه بمحطة من المحطات،لابد أن نتقبل حقيقة وان شعرنا الغربه مع أنفسنا أوعشناها مع اخرين من حولنا .......
كان أول شعور لي بالغربه هناك في دمشق في 8-8-2008 يوم فارقتك ياحبيبتي وأنتي الصغرى بين باقي الاحبه عند توجهك الى الاستقرار في السويد مرغمة في الابتعاد عني وباقي أفراد العائله،اني أتذكر لحظتها ،وما بعدها تلك الاحلام التي أحملها بالعيش قريبا منك دون الابتعاد عن الباقين في بغداد .حالتين متناقضتين ،لم أتصور واني أحلم صعوبة تحقيقهما في واقع الحال،ربما بسبب تعودي الحلم في النهار ،أحلام يقظة أسحبها بالاتجاه الذي أريد لاقنع نفسي بسهولة تحقيقها يوما في القريب.
في دمشق ذهب الصبر من طبعي وبدأ الجزع يتسلل الى نفسي، فأيقنت اني لاأستطيع مقاومة الاحلام ،فحزمت بسببها حقائبي،ولملمت أوراقي ،وقصدتك عابرا الاف الكيلومترات ،حاملا بؤس العيش في العراق،وتهديدات الطائفيين،وتوجهات العلاسه،والقتل العشوائي في النهار ،وروايات التهجير من بيوت الاجداد ،وفساد الذمم والاخلاق ... أعتقدتها جواز عبوري الى السويد قريبا منك لما تبقى من العمر قبل الرحيل .
لكنها بالنتيجه أحلام وتمنيات قريبه من الاوهام ،صحوت من غفوتها بعد أكثر من سنه ونصف من البدايه وترقب النتيجه في المنام ،وأكتشفت أن زمني قد رحل وجاء اخر ،ليس لي فيه مكان،وان قدري أن أفارقك وأعود ثانية الى بغداد ...بغداد التي توقف فيها الزمن منذ عدة عقود .توقف وأن تقوست فيه السقوف وتصدعت الجدران،لكنه من النوع الذي ينفع العيش فيه بين أصحاب محسوبين عليه ،يفكرون مثلي ويعتقدون ذات الاعتقاد وينتطرون الرحيل الاخير. ابنتي الحبيبه.....
لقد طالت الغربه ،وبانت حقيقة الاحلام طوال فترة الغربه أنها مجرد أوهام بعيده عن الواقع المعاش، وان الحاصل أوالذي حصل مفروض وحتمي لايمكن أن نتدخل في تغيره ،وما علينا الا الايمان بحصوله لنخفف من وطأته التي تكاد شدتها أن تنخر عقولنا وتشوه في الاصل .
لقد أنتهت الاوهام حقا بنتيجة الرفض الذي حصلت عليه وبقرار الاعاده الى العراق من قبل دائرة الهجره هنا في السويد التي وصفت عراقنا بالآمن ولاعلاقه لهم بما حدث يوم 12-10-2011 من تفجيرات متزامنه قتل فيها عشرات الابرياء بهجوم متعدد على مراكز الشرطه ونقاط التفتيش وقد اشارت اليها كافة وسائل الاعلام المرئيه والمقروءه والمسموعه وهو قبل يوم واحد من استلامي القرار في 13-10-2011.وها أنذا وان بذلت جهدا اضافيا للاستئناف في محاولة أخيره من أجل البقاء قريبا منك ، فقد شرعت بحزم حقائبي يائسا من حصول تقدم في موضوعها ،لان حصوله تحتاج الى معجزه ،وتعرفين أن زمن المعجزات قد أنتهى .ومع هذا لاخيار لي حقا سوى بذل الجهد في محاوله أحسها في داخلي قد جاءت في الاصل بقصد أسقاط فرض قد يجنبني ملامة نفسي مستقبلا أو ملامة الآخرين في اني لم أحاول. هذه هي الحقيقه المره، وددت أن أضعها بين يديك خطوة بأتجاه التمهيد الى فراق حتمي قد يكون طويل وربما الاخير .وهكذا رسمت بعيدا عن الاحلام التي حلمتها ،وعن الآمال التي تمنيتها ، أسفي قد جاءت مؤلمه كما أرى ،وكذلك مبكره،وعلى الرغم من مجيئها هذا علينا أن نؤمن بها،خاصة وان مسلسل الحياة وكما تعلمت في سني عمري التي مضت أن قسما منه وربما غالبيته مرهون بالقدر وبما يريده ألله سبحانه. أردت بمناسبتها أن أقول أن كل شيئ سينتهي وبينه العمر ،الذي بحصيلته ذهب الاباء والاجداد وسنذهب نحن،وتبقون أنتم الى حين،كل شيئ هنا محتوم ، خارج ارادتنا الشخصيه ،انها قوانين الكون والحياة ،وودت بنفس المناسبه أن اركز على مبدأ المثابره ومعركة النفس من داخلها والاجتهاد، لئن العالم الاوربي الجديد الذي حللت به يحطم الكسالى ويطحن المتكلين على الغير في عيشهم داخله ،انه يريد الاصلح والاقوى عقليا ،ويريد انسانا يعتمد على نفسه منذ بلوغه سن الثامنه عشره ،يتحمل وزر الحياة،فما عليك الا أن تكوني مؤمنه بهذا وتبدأي المشوار بالاعتماد على النفس التي أراها قوية في داخلك ،وستجديني ومن يحبك في بغداد معك في الدعم والدعاء الذي لم يتبق لنا شيئا سواه. لقد حكم علينا القدر أن نكون بعيدين مسافة،لكننا سنجتهد في أن نبقى قريبين نفسيا ،سنحاول ونطلب منك أن تحاولي وتتحملي مسيرة الحياة الصعبه ،وتذكري أنك تجاوزتي ضغوط العيش في بغداد وما دمت كذلك ستتجاوزين ضغوط غربتها في أوربا ، المجتمع الجديد،ولا تجزعي من كثر التفكير ببغداد وما يحصل بشوارعها من أغتيال موظف مخلص لعمله !!!!وضابط يحب وطنه!!!ومن خطف طفل برئ !!!واسقاط جنين بشهره الخامس!!! والصاق عبوة في سيارة مسؤول !!!فانها قدر مكتوب. لقد علمت من تلاوة قرار الرفض بأنه يؤكد أن العراق بلد امن وان الشرطه المحليه قادره على تأمين الحمايه للمواطنين ،وأن القوات الامريكيه تنسحب وتسلم معسكراتها للقوات العراقيه القادره على الدفاع عن مواطنيها ، ان اجراءاتهم هنا لاعلاقه لها بالحقائق هناك وانهم أنتقائيون في قراراتهم التي تأتي احيانا عشوائيه ،وتنبهت الى عدم اعارة ذلك الموظف أي أهتمام لتأكيد بطلان قراره بالاشاره الى الهجوم الارهابي الذي حصل قبل يوم من صدور القرار ,الامر الذي يعيدني الى ضرورة الايمان بالقدر لاتحمل ضغط هذا القرار الذي دفعني من سرير الاحلام الى أرض الواقع بقوه كادت أن تهزني ،والى ضرورة تذكيرك بهذا الايمان الذي لامفر منه ، وتنبيهك الى أن خيارك بالقدوم الى هنا صحيح،وان أحلامي في التواجد قريبا منك هنا هي أيضا صحيحه ،وان جانبت الحقيقه بعض الشيء وتعارضت مع القدر في أشياء أخرى..........
اني لا أخفي قلقي عليك من البقاء في غربة الترحال وأنت في مقتبل العمر ،لكن الذي يخفف هذا القلق الذي يخيفني بعض الاحيان هو اصرارك على الاستمرار في قهر المصاعب الجمه للحياة،ونظرتك المتفائله الى المستقبل الذي أراه مفتوحا أمامك وأنت مازلتي في العشرين ،واذا ماتضايقتي وشعرتي بوطئة الغربه هنا تذكري أنني في العراق ومنذ مولدي مثل أبناء جيلنا لاأعرف يومه وشهره بل سمعت أن عامه 1947 أو ربما يزيد ،ومنذ أن أدركت الحياة من حولي وأنا في الصف السادس الابتدائي في مدرسة التربيه الاسلاميه بالكرخ تبين لي كم هو البؤس الذي نعيشه في العراق ،بدايته قتل الملك الشاب عام 1958!!! وسحل جثة رئيس وزراءه نوري باشا السعيد الذي يصنفه الدارسون بأنه من خيرة السياسيين الذين أنجبهم العراق!!!،وتعليق جثة الامير عبدالاله فوق مطعم قمر الكرخ قرب ساحة الشهداء عاريا ومن حوله الوف العراقيين يهتفون فرحين كأنهم في حفلة عرس!!!،لايتخيلون ما سيحصل لهم من بعد أرتكاب أثم الذبح والسحل والشنق في الساحات العموميه ،مرورا بتصفيقهم الحاشد لعبدالكريم قاسم زعيما أوحدا ثم الانقلاب عليه وقتله بطريقه بشعه في مبنى الاذاعه والتلفزيون في الصالحيه ورمي جثته في دجله العظيم!!! ،ونهاية المسلسل تأليههم للقائد الضروره صدام حسين الذي كتبوا قرآنا بدمه ،ونحروا الابناء قرابين لحروبه،ثم سحلوا تمثاله وصلبوه ليلة عيد!!!!!!!!!! وهكذا أستمروا يقتلون وينهبون ويتجسسون ويحقدون فتسببوا في تكوين هذه الغربه التي نعيشها ......تذكريها دائما وضعيها نصب عينيك وستجدين رغم ألمها أنك في الطريق الصحيح لتحقيق ذاتك وطموحاتك التي ستتحقق حتما بالصبر والمثابره ومن خلال الابتعاد عن مشاعر اليأس والاحباط التي يعاني منها الكثير من أبناء جيلك والاجيال التي سبقتك هنا في الغرب ،حتى أصبحت عيشتهم حسب رأيي عيشة تفتقر الى معنى الانسانيه وتحقيق الذات الفاعله في هذه الحياة.وتذكري في اليوم الذي تعيشينه وقد حققتي خطوة متقدمه بالاتجاه الذي تريدين كم كان الماضي هينا وكم كانت بعض محطاته سهله رغم تعقيداتها التي تمهد لمن يفكها الانتقال الى الاحسن ،وتذكري في كل يوم أن الكثير قد أنتهى ولم يبق الا القليل في الوصول الى الغايه التي تودين.
وأخيرا وأنا أحزم أمري في العوده وأمني نفسي بالصبر أتمنى أن تتغير أوضاع وطننا لتعود الى أبناءه البسمه وينتهي لبس السواد،وتختفي الفرقه واتجاهات التمييز ،ولنعيش فيه مواطنين سواسيه مثل الاخرين لافرق بيننا ،ولاصراع يحكمنا ،لنحقق فيه أحلامنا في العيش والترحال بين مدنه بدلا من التنقل بين الاغراب ،واتمنى أن يرعى العراق ابناءه مثل غيره من الاوطان وأن ننسى الماضي والاحقاد ونعيد كتابة تاريخه الذي شوهه الاوغاد.......... سلاما لك مني حبيبتي ...........قبل الرحيل الاخير ................
486 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع